اتجاهات حديثة في مجال تقنيات التعليم









شهدت العقود الأخيرة من هذا القرن الميلادي تطورات تقنية عديدة ناتجة عن التقدم العلمي الكبير، وكانت محصلتها ظهور بعض الأدوات التقنية المتطورة في كافة مجالات العلم مثل الحاسوب والأقمار الصناعية، وكان من الطبيعي أن تحاول التربية استثمار تلك المستحدثات التكنولوجية من أجل تطوير التعليم وتحقيق الأهداف التربوية المعاصرة، وأن تغير المفاهيم والأدوار الراسخة بما ينسجم وهذه التطورات. 

فقد تغير دور المعلم بصورة واضحة وأصبحت كلمة معلم / مدرس بمعناها القديم لا تعبر عن مهامه الجديدة وظهرت في الأدبيات الحديثة كلمة مسهل facilitator لوصف مهام المعلم على أساس أنه الذي يسهل عملية التعلم لطلابه فهو يصمم بيئة التعلم ويشخص مستويات طلابه ويصف لهم ما يناسبهم من المواد التعليمية ويتابع تقدمهم ويرشدهم ويوجههم حتى تتحقق الأهداف المنشودة . 

كما تغير دور المتعلم نتيجة لظهور المستحدثات التكنولوجيا وتوظيفها في مجال التعليم ، فلم يعد متلقيا سلبياً حيث ألقيت على عاتقة مسئولية التعلم، مما استلزم أن يكون نشطا أثناء موقف التعلم ويبحث وينقب ويتعامل بنفسه مع المواد التعليمية المطبوعة وغير المطبوعة ويتفاعل معها . 

ولقد تأثرت المناهج الدراسية أيضا بظهور المستحدثات التكنولوجيا ، وشمل التأثير أهداف هذه المناهج ومحتواها وأنشطتها وطرق عرضها وتقديمها وأساليب تقويمها، ولقد أصبح إكساب الطلاب مهارات التعلم الذاتي وغرس حب المعرفة وتحصيلها في عصر الانفجار المعرفي من الأهداف الرئيسية للمنهج الدراسي، وتمركزت الممارسات التعليمية حول فردية المواقف التعليمية ، وزادت درجة الحرية المعطاة للطلاب في مواقف التعلم مع زيادة الخيارات والبدائل التعليمية المتاحة أمامهم . 

ولقد تأثرت أيضاً معايير الجودة التعليمية بظهور المستحدثات التكنولوجيا ، وأصبح الإتقان هو المعيار الأول لنظم التعليم. 

وبالإضافة إلى ما تقدم فلقد أدى ظهور المستحدثات التكنولوجيا إلى ظهور مفاهيم جديدة في ميدان التعليم ارتبطت بالمستوى الإجرائي التنفيذي للممارسات التعليمية بصفة خاصة فبدأنا نسمع عن التعليم المفرد، والتعليم المصغر، والحقائب التعليمية، والتعليم بمساعدة الكمبيوتر، وتكنولوجيا الوسائط المتعددة، والإنترنت، ومركز مصادر التعلم، والمكتبة الإلكترونية، كما بدأنا نسمع عن مفاهيم التعلم عن بعد، والتدريب عن بعد، والمؤتمرات بالفيديو، والمؤتمرات بالكمبيوتر في مجال التعليم.

الحقائب التعليمية

الحقيبة التعليمية هي برنامج او نظام تعليمي له القدرة على تطوير أحداث تعليمية بالاشتراك مع المتعلم بما يجعل التعلم بواسطتها يتم بصورة متسلسلة ومندرجة في خطوات متتابعة وهي حشد لأكبر حجم مكونات وشروط وتسهيلات ، وشروط تعلم وهي بيئة تعلم مصغرة ومحكمة وتتمتع بقوة تعلم هائلة نظرا لما تحتويه من مواد وبدائل وصيغ وتقنيات وخيارات مجزية لحفز فاعلية المتعلم أو المتدرب للحلصول على الخبرات التعليمية اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة كما أنها تتمتع بكفاءة عالية في التعامل مع ما بين المتعلمين من فروق فردية.

الحاسوب في التعليم: 

عندما يستخدم الحاسوب كوسيلة مساعدة في التعليم فهو يقوم بدور المعلم في تقديم التمرين وتصحيحه، أو يقدم برنامجاً ريادياً يقود المتعلم خطوة خطوة ليصل به إلى فهم الفكرة أو الموضوع ([i][i]). ومن أنماط استخدام الحاسوب كأداة مساعدة في التعليم: الشرح والإلقاء (Tutorial)، والتدريب والممارسة (Drill And Practice)، والمحاكاة (Simulation)، وحل المسائل (Problem Solving)، والبرمجة (Programming) والألعاب التعليمية من خلال الحاسوب (Games).

وقد أثبتت العديد من الدراسات فاعلية الحاسوب كوسيلة تعليمية في المواد الدراسية المختلفة، إضافة إلى فاعليته في تنمية كثير من القدرات العقلية وتنمية المهارات، وتقليل الوقوع في الأخطاء وتحسين الاتجاهات العلمية لدى الطلاب على المستويات التعليمية المختلفة ([ii][ii]). 

بيد أن هناك نواح سلبية كثيرة لاستخدام الحاسوب في التعليم من أهمها: التكلفة العالية للحواسيب وبرامجها بما لا يتلاءم مع إمكانات مؤسسات تعليمية كثيرة حول العالم، وندرة البرامج التعليمية الجيدة، وقلة الاختصاصين في البرمجة لأغراض تعليمية، وعدم دراية الكثير من المعلمين بتقنيات استخدامه أو كيفية توظيفه كوسيلة تعليمية بطريقة فعالة وكذلك يرى الكثير من التربويين انه قد يلغي دور المعلم في التعليم ([iii][iii]).

وتتمحور معظم الاتجاهات الحديثة في مجال تقنيات التعليم حول تطبيقات الحاسوب ومنها ما يلي:
  1. التعليم عبر الإنترنت: 
    مع تزايد الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت العالمية، ظهرت العديد من المواقع التي تقدم خدمات تعليمية متنوعة في فروع العلم المختلفة مثل الرياضيات والعلوم واللغات والتاريخ والجغرافيا والحاسوب وغيرها . 
    وتتميز معظم هذه المواقع بالتفاعلية بين البرنامج والمتعلم، إضافة إلى احتوائها على الصوت والرسوم والصور والفيديو مما يجعلها مصادر غنية بالمعلومات. بل وتتيح بعض هذه المواقع إمكانية الاتصال المباشر بين مجموعة من المتعلمين في مواقع مختلفة من العالم ومعلميهم فيما يعرف بالفصول الافتراضية(Virtual Classrooms) حيث يمكن للمعلم أن يلقي محاضرته على الطلاب بشكل مباشر.
  2. الوسائط المتعددة التفاعلية: Interactive Multimedia 
    ويقصد بهذا المصطلح استخدام العديد من الوسائل المتنوعة مثل: النصوص المكتوبة (Text) والرسومات (Graphics) والصوت (Sound) والصور المتحركة (Animation) وصور الفيديو (Video) وذلك بطريقة تكاملية لإبراز موضوع معين يحقق التفاعلية ما بين الحاسوب والمتعلم لتعزيز عملية التعليم .
  3. الهيبرميديا: 
    وهذا المصطلح يعبر عن ظاهرة تقنية جديدة تسمح للمتعلم بالتحكم والاقتراب من العديد من الوسائل بواسطة الحاسوب، وتزود المتعلم ببيئة تعليمية مشبعة بالوسائط التعليمية التي تساعد على توحيد أشكال المعلومات من مصادر متنوعة في نظام واحد، وهو ذلك النظام الذي يمكن التحكم فيه بواسطة الحاسوب ويتضمن هذا النظام العديد من الوسائط مثل الصور المتحركة، ومقاطع من أشرطة الفيديو والتسجيلات الصوتية والبيانات الرقمية والأفلام والصور الفوتوغرافية والموسيقى، بالإضافة إلى النص وذلك بغية مساعدة المتعلم على إنجاز الأهداف المتوقعة منه عندما يتوصل إلى المعلومات التي يحتاج إليها من خلال التدرب الذاتي . 
    ورغم أوجه التشابه الكبيرة بين مفهوم كل من مصطلح الوسائط المتعددة و(الهيبرميديا) إلا أن المختصين جعلوا لكل منهما مصطلحاً منفرداً بناء على طريقة البرمجة، فبرامج (الهيبرميديا) تعتمد على البرمجة المتشعبة للبرنامج بحيث تحدث دائماً عملية إثراء لمعلومات المتعلم وإعطاءه معلومات إضافية على المصادر المختلفة المرتبطة عبر الحاسوب يرجع إليها كلما احتاج إلى ذلك. أما الوسائط المتعددة فليس بالضرورة أن تقوم على البرمجة المتشعبة بل تستخدم البرمجة الخطية ([iv][vi]).
  4. البريد الإلكتروني Electronic Mail 
    يتيح البريد الإلكتروني الفرصة لكل من الطالب والمعلم إمكانية إرسال رسائل مكتوبة لبعضهما باستخدام أجهزة الحاسوب المتصلة ببعضها بخطوط هاتفية.
نظام البث عبر الأقمار الصناعية :- 

إن الاتصال عبر الأقمار الصناعية يحمل الآن معظم المكالمات الهاتفية الدولية بالإضافة إلي البث التلفازى، والبث لشبكة الإنترنت ولحسن الحظ فإن الأقمار الصناعية موضوعة في مدار حول الأرض ، وتسير بسرعة دوران الأرض ، وبالاتجاه نفسه ، وبمحافظتها على سرعة دوران الأرض نفسها فإنها تبدو وكأنها محطة بث ثابتة فوق نقطة معنية على الأرض وتتواجد على بعد حوالي (23) ألف ميل من سطح الأرض ويتكشف لها حوالي نصف سطح الكرة الأرضية في أن واحد ونظرياً يمكن القول بأن وجود ثلاثة أقمار صناعية من هذا النوع يمكن أن يغطي الكرة الأرضية كافة وحيث أن كمية الاتصالات في تزايد وتضخم مستمرين ، فإنه يوجد عادة عشرات الأقمار الصناعية العاملة باستمرار ، وفي أي وقت ولأغراض مختلفة . 

إن الاتجاه في السنوات الأخيرة يتمثل في تصميم أقمار صناعية أكبر حجماً وأكبر تعقيداً للزيادة في القوة الإرسالية لهذه الأقمار ، وقد نجم عن ذلك أن معدات الاستقبال على الأرض – اللواقط ( الستالايت ) أصبحت أصفر وأقل تعقيداً يوماً بعد يوم . ولآن فإنه يمكن استقبال موجات القمر الصناعي من خلال صحن في بيوتنا لا يزيد قطرة عن ثلاثة أقدام . ويمكننا عن طريق الأقمار الصناعية توجيه برامج تعليمية جيدة وبتكاليف ضئيلة نحو المدارس الريفية الكثيرة ، والمبعثرة في أماكن عدة شائعة وتعد الأقمار الصناعية أحد أهم الاتجاهات الحديثة في التعليم عن بعد ، حيث أدى انخفاض تكاليف الإطلاق والتشغيل إلى زيادة انتشارها ولتوسيع في استخدامها فظهرت بقنوات الفضائية التعليمية المتخصصة ، بعضها يقدم منهجا متكاملاَ ويحصل المتعلم في نهاية البرنامج على شهادة دراسية والبعض الآخر يقدم دروساَ داعية للمنهج الذي يقدم في المدارس التقليدية إلا أنه يعاب على هذه القنوات ضعف عنصر التفاعل مع المتعلم.

تقنيات التعليم عملية تكاملية مركبة:

إن تقنيات التعليم عملية تكاملية مركبة تهدف إلى تحليل مشكلات المواقف التعليمية ذات الأهداف المحددة وإيجاد الحلول اللازمة لها وتوظيفها وتقويمها أدارتها على أن تصاغ هذه الحلول في إطار مكونات منظومة تعليمية سبق تحديد عناصرها وتصميم إجراءاتها وتشمل هذه المنظومة كافة المكونات البشرية والمادية للموقف التعليمي مما يعني تقنيات التعليم على الجوانب التالية:
  1. وجود الأهداف التعليمية المحددة القابلة للقياس.
  2. مراعاة خصائص المتعلم وطبيعته .
  3. مراعاة إمكانات وخصائص المعلم .
  4. توظيف المواد والأجهزة التعليمية التوظيف الأمثل لخدمة مواقف التعلم.
  5. الاستفادة من النظريات التربوية في حل المشكلات وتصميم المواقف التعليمية الناجحة .
وعلى الرغم من شيوع الآراء التي ترى صعوبة إيجاد تعريف دقيق شامل لمفهوم تقنيات التعليم إلا أن الربط بين هذا المفهوم ومفهوم النظم قد قلل من أهمية تلك الآراء حيث أصبح مفهوم تقنيات التعليم يستند إلى مستمدة من كل مفهوم من المفاهيم التالية: مفهوم التكنولوجيا، ومفهوم التدريس ، ومفهوم النظم.

إن تقنيات التعلم مجال جديد بالنسبة لغيره من المجالات، والعلوم الأكاديمية الأخرى، وقد اعتمد هذا المجال على علم النفس بفروعه المختلفة، كما اعتمد على علم الاجتماع، ونظريات الاتصال والأعلام، وكثير من العلوم الطبيعية كالفيزياء؛ ومجال تكنولوجيا التعليم حيوي متطور، يكافح ليكون مجالا علميا في دقة العلوم الطبيعية، مما يجعل باحثيه يجتهدون لتحديد المصطلحات ولغة الحديث العلمي المتفق عليها.

وعلى الرغم من تعدد التعريفات الخاصة بتقنيات التعليم بمفهومها المعاصر، والذي استفاد من جميع المفاهيم السابقة في مجال الوسائل التعليمية، وعملية التعلم، فأننا سنعرف تقنيات التعلم بأنها ((عملية منهجية منظمة لتسهيل التعلم الإنساني، تقوم على إدارة تفاعل بشري منظم مع مصادر التعلم المتنوعة من المواد التعليمية والأجهزة أو الآلات التعليمية، وذلك لتحقيق أهداف محددة ))

وإذا تفحصنا هذا التعريف يمكن أن نلاحظ ما يلي:
  1. أنه مشتق من فهم خصائص التقنية لكونها عملية تفاعل بين الإنسان والبيئة المحيطة به، و الإنسان المتفاعل في تقنيات التعليم هو المتعلم أو المعلم أو فني الوسائل التعليمية، أما البيئة هنا فهي البيئة التعليمية بما تحتويه من مواد وآلات، وبطبيعة الحال فأن المواد هنا هي بالضرورة مواد تعليمية مثل: الكلمات المقروءة والتسجيلات المسموعة أو المرئية، وهكذا الحال بالنسبة للآلات فهي أيضا ألات تعليمية تستوعب تلك المواد من مثل جهاز التسجيل أو جهاز الفيديو .
  2. أنه يستفيد من جميع مراحل التطور التاريخي لمجالي التدريس والوسائل التعليمية ويشير في ثناياه إلى مدخل النظم، كما يشير إلى عملية التعلم الإنساني، ويشير إلى المفهوم الاتصال على أنة أحد المفاهيم الرئيسية في ميدان التدريس والوسائل التعليمية، كما يشير أيضا إلى الوسائل السمعية البصرية سواء المواد أو الأجهزة التعليمية.
  3. أنه يحدد المجالات التي ينبغي على المعلم وغيرة من المربين دراستها، كي يكتسبوا الكفاءات المهنية الضرورية لشغل مكان تخطيط وإدارة المنظومات التعليمية، وهذه المجالات هي:
    • دراسة أنواع المواد التعليمية .
    • دراسة أنواع الآلات التعليمية .
    • دراسة أنماط التفاعل والعمليات اللازمة للتدريس وفق منظومة تقنيات التعليم.
وتجدر الإشارة إلى تأثر مفهوم تقنيات التعليم بالاتجاهات الحديثة التي نادت باستخدام مدخل النظم لتحليل النظام التربوي إلى عناصره الرئيسية. 

ومدخل النظم هو عبارة عن محاولة لتنسيق جميع مظاهر أو مكونات أي ظاهرة بشكل موجة نحو تحقيق أهداف محددة. 

والمقصود بالنظام هنا((مجموعة من العناصر المتفاعلة أو المستقلة والتي تشكل معا كلا واحدا تتكامل مكوناته)).

وعند استخدام مدخل النظم على أنه مفهوم للتخطيط الإجرائي للعملية التربوية بصفة عامة ، وعلى اعتبار أن التعليم نظام ، فقد أمكن استخدام مفهوم النظم في ميدان التدريس لجعل التقنيات ذات فعالية عن طريق اعتبارها أحد مكونات نظام التدريس .
جمعه/ مشرف العلوم والرياضيات 
عبدالرحمن بن عمر محمد